ظهرت فكرة المصاعد عندما قام أرخميدس عام 236 قبل الميلاد برفع صندوقٍ خشبي كبير من خلال ربطه بحبل وتعليق الحبل على بكرة ومن ثم سحب الحبل للأسفل لرفع الصندوق للأعلى، ومن ثم ظهر أول مصعد في التاريخ (مصعد أوريكا)، والذي صُنِعَ من مواد صديقة للبيئة ومصادرها مستدامة، وتَبَنى العلماء فكرة استخدام أرخميدس لقواه البشرية فقط لتصنيع مصاعد صديقة للبيئة ولتنمية سوق المباني الصديقة للبيئة.

يُقدَر أن المباني تستهلك 40% من الطاقة في العالم، وكذلك تستهلك المصاعد ما بين 2% حتى 10% من طاقة المباني، مما حَفَّزَ مُصنعي المصاعد على ابتكار حلولاً لتقليل هذه النسبة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نجعل المصاعد صديقاً للبيئة؟

النقطة الرئيسية لجعل المصاعد صديقة للبيئة هي التحكم بالطاقة المستهلكة في تحريك المصاعد، ولا تنسى أن المواد والعمليات والتقنيات المستخدمة في تصنيع المصاعد تستهلك طاقة أيضاً، وكذلك تكلفة الطلاء الداخلي للمصعد وأرضيته ولوحات التحكم وأنظمة الإنارة وأنظمة التكييف والتهوية، جميع هذه العوامل تزيد من تحصيل النقاط الكلي طبقاً لمقياس LEED “القيادة في الطاقة والتصميم البيئي” حسب المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء. نعرض عليك فيما يلي لمحة عن الكيفية التي يتبعها مصنعو المصانع في حل مشاكل التصميم.

تقنية دون غرفة الماكنات

ظهرت هذه التقنية في منتصف التسعينات وكانت نقطة تحول كبيرة في تصميم المصاعد الكهربائية، حيث كانت ماكنات المصعد في السابق توضع في غرفة موجودة في أعلى مسار المصعد، ولكن بعد ظهور هذه التقنية استغنينا عن غرفة المعدات مما يقلل من تكاليف بنائها، والحل البديل كان ربط مكنات المصعد مباشرتاً مع عمود دوران المصعد، وكان التصميم خالِ من التروس (كونه مربوط مباشرة مع عمود الدوران) مما أدى إلى توفير 80% من الطاقة بالمقارنة مع مصاعد الهيدروليك القديمة، وكذلك توفير التكلفة والجهد في تعبئة اسطوانات الهيدروليك الموجودة تحت الأرض بالزيت.

صنعت شركة كوني (KONE) أول مصعد دون غرفة المكنات واستثمرت الشركة بمعظم أسهمها في هذه التقنية وكذلك توقفت عن تصنيع مصاعد الهيدروليك تماماً، وأطلقت على المصاعد التي لا يوجد فيها غرفة مكنات اسم EcoSpace (ويعني صديق البيئة لأبعد الحدود) وما يميز تصميم المصعد هو احتوائه على معدات قليلة الاحتكاك وغير مرتبطة مع تروس، وبما أن الاحتكاك قليلاً فإن التآكل في المعدات سيكون قليلاً أيضاً مما يقلل التكلفة إلى النصف بالمقارنة مع الأنظمة التي تحتوي على تروس.

وأنشأت شركة أويتس (Otis) نظاماً للمصاعد التي لا يوجد بها غرفة مكنات، وأطلقت على النظام اسم Gen2 (أي الجيل الثاني)، وتمكن هذا النظام من توفير الطاقة في المباني بمختلف الارتفاعات، وتمكنت من تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 50% بالمقارنة مع الأنظمة السابقة، وكذلك كانت صديقة للبيئة كونها لا تحتاج إلى تشحيم بفضل استخدام أحزمة اليوريثين المطلية بالفولاذ والعجلات الدوارة والمكنات الخالية من التروس.

القيادة التجديدية (التوليدية)

عندما يستهلك المحرك الطاقة فإنه يكون في وضع الماتور”Motoring mode”، وأثناء هذا الوضع يستهلك المحرك الطاقة الكهربائية، ويخزن بعض هذه الطاقة على شكل طاقة وضع والبعض الآخر من الطاقة يضيع بسبب الاحتكاك، ولكن عند الحركة المعاكسة للمحرك يكون المحرك في وضع القيادة التجديدية “Regenerative Mode” وفي هذا الوضع يُولِّد المحرك الطاقة من خلال تحويل طاقة الوضع إلى طاقة كهربائية.

المصاعد الصديقة للبيئة لا تقلل استهلاك الطاقة فحسب، وإنما تولد الكهرباء أيضاُ! فإن أنظمة القيادة التجديدية تسترجع الطاقة التي تتبدد على شكل حرارة وإدخالها إلى نظام الكهرباء في المبنى، ويستفاد من هذه الطاقة في الإضاءة وتكييف الهواء وكذلك يوفر تكاليف تبريد غرفة المكنات، وتقلل القيادة التجديدية من استهلاك الطاقة خلال فترات الذروة وتحقيق الكفاءة التشغيلية المثلى للمبنى، وفي وقتنا الحالي معظم مصانع المصاعد تستخدم هذه التقنية.

دعونا ننظر إلى الأمر من الناحية الفيزيائية، عندما يكون عدد الركاب في المصعد قليلاً فإنه يستهلك طاقة أكبر، والسبب في ذلك فرق الوزن بين حجرة المصعد وثقل التوازن، الهدف الرئيسي للمصاعد الصديقة للبيئة هو تقليل فرق الوزن من خلال التحكم بحركة المصعد بدقة بالإضافة إلى التحكم بالإضاءة الداخلية وغيرها من العوامل المستهلكة للطاقة.

حلول مختلفة

تساعد الأنظمة المحوسبة الحديثة على تقليل عدد مرات حركة المصعد عندما يكون عدد الركاب قليلاً، مع ضمان وجود عددٍ كافٍ من المصاعد الفعالة لمساعدة الركاب على التنقل بسرعة.

بعض شركات أنظمة المصاعد البيئية تقدم نظم امكانية التحكم بالطاقة وذلك من خلال وذلك من خلال توقيف المصاعد التي لا تُستخدم وجعلها في وضعية الاستعداد، وفي حال مضي وقت طويل دون استخدامها سيقوم النظام بتفعيل مصاعد أخرى لتلبية الحاجة، وتحسن أنظمة “إيفاد الوجهة” من التعامل مع القدرات (أي عدد ركاب المصعد) بنسبة ما بين 15% حتى 30%، فإن النظام يراقب كمية قيمة التيار الداخل في المحرك ويتحكم به لمعرفة عدد الركاب وبالتالي لجعل المحرك يدور بأقصى سرعة، وبالتالي نحمي المحرك من التيار الكبير والحمل الزائد وانقطاعات الطاقة المفاجئة.

لا تقتصر تقنية المصاعد الصديقة للبيئة على ما هو موجود على عمود الدوران فقط، وإنما تفكر الشركات بعوامل أخرى خارجية لتساهم في التقليل من استخدام الكربون (التلوث) طوال مدة استخدام المصعد، وهذا يزيد من قيمة تلك الشركات، وغالباً ما يبحث العملاء عن مصنعي مصاعد قادرين على تقييم كفاءة المرافق التي سَتُستخدم المصاعد فيها وقادرين على إدارة حزمة واسعة من الخدمات وكذلك تقدم تقنيات مراقبة عن بعد للتشخيص المبكر للأعطال الميكانيكية وغيرها من أنظمة الدعم.

يستحيل جعل المصاعد صديقة للبيئة بنسبة 100% كما كان الحال على زمن أرخميدس، ولكن من الواضح أن تقنية المصاعد الصديقة للبيئة ما زالت تتطور وتتحسن.